[center]شبه جزيرة سيناء لا تبدو فى الظاهر سوى صحراء ولكنها أكثر من ذلك بكثير
سيناء القمر
تقع سيناء بين البحر المتوسط وخليج السويس وقناة السويس والبحر الأحمر وخليج العقبة وهى تربط أفريقيا بآسيا ويحدها من الشرق فالق الوادى المتصدع الممتد من كينيا عبر القرن الأفريقى إلى جبال طوروس بتركيا وهذا الفالق يتسع بمقدار 1 بوصة سنويا و مساحتها 60,088 كم2 ويسكنها 380,000 نسمة قاعدتها العريش التى تنقسم فى الشمال والتيه فى الوسط والطور فى الجنوب حيث الجبال العالية أهمها جبل موسى 2,285 متر و جبل القديسة كاترينا 2,638 متر أعلى جبال فى مصر وفى هذا الجبال فى دير سانت كاترين وكنيسة غنية بالآثار والمخطوطات بناها جوستنيان عام 527 وتضم محافظتى شمال وجنوب سيناء
سيناء القمر
لا شك أن الوضع الجغرافى لسيناء كان له تأثير وبكلام آخر عرفت سيناء كأرض القمر ومن خلال نقوش سرابيط الخادم والمغارة يتضح لناأنه لم يكن هناك اسم خاص لسيناء ولكن يشار إليها أحياناً بكلمة بياوو أى المناجم أو بيا فقط أى المنجم وفى المصادر المصرية الأخرى من عصر الدولة الحديثة يشار الى سيناء باسم خاست مفكات وأحياناً دومفكات أى مدرجات الفيروز
سيناء القمر
أما كلمة الطور التى كانت تطلق على سيناء فى المصادر العربية فهى كلمة أرامية تعنى القمر وهذا يعنى أن طور سيناء تعنى جبل القمر وكان قدماء المصريين يطلقون على أرض الطور اسم ريثو بينما يطلقون على البدو فى تلك المنطقة بصفة عامة اسم عامو
سيناء القمر
وقد ظل الغموض يكتنف تاريخ سيناء القديم حتى تمكن الباحثون عام 1905 من اكتشاف اثنى عشر نقشا عرفت بالنقوش السينائية عليها أبجدية لم تكن معروفة فى ذلك الوقت وفى بعض حروفها تشابه كبير مع الأبجدية الهيروغليفية، وظلت هذه النقوش لغزا حتى عام 1917 حين تمكن عالم المصريات جاردنر Gardinar من فك بعض رموز هذه الكتابة والتى أوضح أنها لم تكن سوى كتابات كنعانية من القرن الخامس عشر قبل الميلاد من بقايا الحضارة الكنعانية القديمة فى سيناء
سيناء القمر
والواضح أنه خلال الدولة قديمة كانت هناك صلة بين سيناء ووادى النيل ولعبت سيناء فى ذلك التاريخ دورا المهما كما يتضح من نقوش وادى المغارة وسرابيط الخادم. فقد كانت سيناء بالفعل "منجما" للمواد الخام كالنحاس والفيروز الذى يستخرج المصريون القدماء ما يحتاجونه فى الصناع كما كان سكان شمال سيناءوهم الهروشاتي أى أسياد الرمال وجنوبها وهم المونيتو الذين ينسبون الى الجنس السامي كانوا يشتغلون بالزراعة حول الآبار والينابيع فيزرعون النخيل والتين والزيتون وحدائق الكروم كما يشتغلون بحرف الرعى على العشب التناثر فى الصحراء ويرتادون أسواق وادى النيل فيبيعون فيه ما عندهم من أصواف وعسل وصمغ وفحم ويستبدلونه بالحبوب والملابس كما كانت الحملات الحربية تخرج من مصر فى بعض الأحيان لتأديب بعض البدو فى سيناء نتيجة الغارات التى كانوا يشنونها على الدلتا وتدل آثار سيناء القديمة على وجود طريق حربى قديم وهو طريق حورس الذى يقطع سيناء وكان هذا الطريق يبدأ من القنطرة الحالية ويتجه شمالاً فيمر على تل الحى ثم بير رومانة بالقرب من المحمدية ومن قطية يتجه الى العريش وتدل عليه بقايا القلاع القديمة كقلعة
ثارو ومكانهاالآن تل أبو سيف وحصن بوتو سيتى الذى أنشأه الملك سيتى الأول الذى يقع الآن فى منطقة قطية
سيناء القمر
ولم تقتصر أهمية سيناء من الناحية التاريخية فى تلك الفترة على ما تسجله تلك النقوش ولكن ارتبط اسمها أيضا بحادث مهم آخر وهو أنها كانت مسرحا لحادث خروج بنى إسرائيل من مصر وتجولهم فى صحراء سينا وبنو اسرائيل هم أبناء يعقوب ابن ابراهيم الخليل عليه السلام وهؤلاء لم يكونوا يهودا كما يزعم الاسرائيليون لانهم ظهروا كمجموعة بشرية قبل ظهور النبى موسى بأكثر من 006 سنة
سيناء القمر
وخلال العصرين اليونانى والرومانى استمرت سيناء تلعب دورها التاريخي فنشأت فيها العديد من المدن التى سارت على نمط المدن اليونانية والتى كان أشهرها هى مدينة البترا وهى مدينة حجرية حصينة فى وادى موسى كانت مركزا للحضارة النبطية التى نسبت الى سكانها من الأنباط وهناك خلاف كبير حول أصل الأنباط والمرجح أنهم من أصول عربية نزحت من الحجاز لأن أسماء ملوكهم كانوا ذوى أسماء عربية كالحارث وعبادة ومالك
وقد استخدم النبطيون طرق التجارة وعدنواالفيروز فى وادى المغارة والنحاس فى وادى النصب وكانوا يزورون الأماكن المقدسة فى جبلى موسى وسربال كما سكن رهبان من البتراء دير سانت كاترين فى صدر العصر المسيحي وكانت أبرشية فيران قبل بناء الدير تابعة لأبرشية البتراء
سيناء القمر
كانت هناك حضارات مزدهرة فى سيناء خلال فترات التاريخ القديم فكانت سيناء بمثابة منجم المعادن الذى مد حضارة مصر القديمة بما تحتاجه ولم تكن تلك صحراء خالية من العمران كما اتضح وجود صلات وثيقة بين سيناء ووادى النيل طوال تلك الفترة ولم يكن هناك انفصال تاريخى بينهما ويدل على ذلك تلك الآثار المصرية الموجودة على أرض سيناء
سيناء القمر
وإذا ما انتقلنا الى العصر الإسلامى نجد أن عمرو بن العاص حينما قدم الى مصر لفتحها قد سلك طريق حورس فى شمال سيناء فاستولى على العريش، وتقدمت قواته ففتحت بولوزيوم أو الفرما وبعدها تقدم الى بلبيس التى كانت نقطة مهمة على الطريق الذى يقطع سيناء الى الشام
سيناء القمر
وخلال فترة الحروب الصليبية تعرضت سيناء لمحاولة الغزو من قبل الصليبين حيث قام بلدوين الأول حاكم بيت المقدس الصليبى بالتوغل فى وادى عربة للسيطرة على المنطقة الواقعة جنوبى البحر الميت ثم شيد سنة 1115م حصن الشوبك ليكون مركزاً يمكن للصليبيين من السيطرة على وادى عربة بأكمله
سيناء القمر
وفى العام التالى سنة 1116 خرج بلدوين فى حملة أخرى وسار حتى أيلة على ساحل خليج وشيد فى أيلة قلعة حصينة ليستطيع التحكم فى الطريق البرى للقوافل بين مصر و الشام وتمكن بلدوين من تشييد قلعة فى جزيرة فرعون الواقعة فى مواجهة أيلة فى خليج العقبة وبذلك تمكن الصليبيون من الإشراف على شبه جزيرة سيناء التى أخذت تحرك فى قلوبهم ذكريات ومشاعر دينية عزيزة عليهم لكن على الرغم من ذلك فإن رهبان دير سانت كاترين رفضوا استضافة بلدوين خشية انتقام الفاطميين فى القاهرة مما جعل بلدوين ينصرف عائدا الى بيت المقدس واستمر بلدوين فى استراتيجيته الرامية الى السيطرة على شبه جزيرة سيناء الطرق المؤدية إليها فبنى قلعة وادى موسى فى عام 1117 وفى العام التالى خرج بلدوين بحملة عبر الطريق الشمالى الذى يمر بشمال سيناء ووصل الى الفرما بورسعيد حيث أحرقهاوفى أثناء عودته أصيب بمرض نتيجة تناوله لوجبة من السمك أدى الى وفاته وحمل جثمانه الى القدس ليدفن بها وقد تعرضت العريش لهجوم الصليبيين فى عام 577هـ 1181م وقطعت أشجار نخيل سيناء وحمل الصليبيون جذوعها الى بلادهم لاستخدامها فى صناعة السفن المعروفة بالجلاب التى تصنع من جذوع النخيل وذلك ضمن خطة رينالد من شاتيون حاكم حصن الكرك الصليبى للسيطرة على البحر الأحمر إلا أن خطة رينالد فى السيطرة على سيناء والبحر الأحمر فشلت نتيجة الجهود التى قام بها الأيوبيون وخاصة صلاح الدين الأيوبى فى وقف حملات رينالد فى البحر الأحمر و التى وصلت حتى عدن و إسطول حسام الدين لؤلؤ الذى دمر الإسطول الصليبي وتغير مركز سيناء ابتداء من القرن الرابع عشر الميلادي فقد رأيناها منذ الاحتلال الإسلامى مجرد قنطرة تعبرها القبائل المختلفة من بلاد الحجاز والشام فى طريقها الى وادى النيل لكنها منذ ذلك التاريخ صارت منطقة تلجأ إليها القبائل بعد أن توقف تقريباً سيل الهجرات العربية الى مصر فى عصر المماليك حيث تم عزل العناصر العربية سياسياً ولم يعد هناك ما يدعو الحكام الجدد أن يستعينوا بالقبائل العربية فى الحكم حتى يشجعوا هجرتها الى مصر
سيناء القمر
ويعد العصر المملوكى بداية لمرحلة من الاستقرار فى شبه جزيرة سيناء نتيجة لتوقف موجات الهجرة العربية، والاهتمام الملحوظ بطريق الحج الى مكة و المدينة فقام بيبرس البندقدارى "658 - 676 هـ 1260 - 1277م" بتمهيد طريق العقبة بعد فتح أيلة فصار طريق السويس العقبة هو طريق الحج المصري كما أمنوا الطريق الى الشام من غارات العربان لتأمين طريق البريد بين مصر والشام ونمت العريش فى العصر المملوكي فقال عنها القلقشندى أنهامدينة ذات جامعين مفترق أى أنهما بعيدين عن بعضهما البعض وثمار وفواكه لكن أصابها التدهور فى نهاية العصر المملوكي حيث يذكر النابلسى خلال
رحلته الى مصر فى تلك الفترة بأن العريش فيها قلعة وزاوية وبعض دور فناها خاوية إلا أن السلطان المملوكى قنصوة الغورى 906 ـ 922هـ 1501 ـ 1516م قد اهتم بإنشاء القلاع فى سيناء نظراً للأخطار التى كانت تحدق بدولته من ناحية الشرق وخاصة الخطر العثماني ومن ثم انشأ قلعة نخل على طريق الحج المصرى وقلعة البغلة ونقب العقبة وكان اهتمام الدولة المملوكية بسيناء يهدف الى تأمين حدود مصر الشرقية من الأخطار المحدقة بها ناحية الشرق والتى كانت تتمثل حينذاك فى بقايا الوجود الصليبي بالإضافة الى الخطر المغولي كما حاولت من وراء إنشاء القلاع وترميمها على طريق الحج أن تظهر بمظهر الدولة التى تؤمن لرعاياها المسلمين آداء فريضتهم الدينية حيث أن مثل هذا العمل يظهر السلاطين فى عيون رعاياهم بمظهر دينى يليق بالألقاب التى اتخذها بعضهم لنفسهم